عَصَفَ الرَّصاصُ بأمِّها وأَبيها
وبزوجها الغالي وكلِّ بَنيها
نَثَروا أمام الدَّار مُخَّ صغيرها
«وتفنَّنوا» في صُنْع ما يُؤْذيها
هدموا منازلَها ولم يَدَعُوا لها
داراً لها في أرضها تُؤْويها
سرقوا عباءتَها وأرخوا حاجزاً
يُخفي عن الأنظار مُغتصبيها
صاحتْ وصاح إباؤها وعَفافُها
وبكتْ، ولكن عند مَنْ يُبكيها
عطشتْ وزخَّاتُ الرصاص تزيدُها
عطشاً، ولم تظفَرْ بمن يَسقيها
لمَّا أفاقتْ من دُوار جراحها
وتوقَّفَتْ طَلَقاتُ مَنْ يَرميها
نادتْ، ولم تسمعْ مجيباً، إِنَّما
سمعتْ صدىً من صوتها يُشقيها
ورنَتْ إلى الأُفُق البعيد فما رأتْ
إلاَّ وجوهَ عُتاةِ جلاَّديها
أينَ الدِّيارُ، وأَجْهَشَتْ آثارُها
من حولها، وبكتْ دماءُ ذَويها
وتدفَّقتْ لغةُ الرُّكام حزينةً
تروي حكايا، ماتَ من يَرويها
قال الرُّكامُ: أنا الدِّيارُ تحطَّمَتْ
بالأمس، وانهدمتْ على أَهليها
صارتْ قبوراً للضحايا، بعدما
كانوا يبثُّون السعادةَ فيها
بالأمس جاء الليل وهي سعيدةٌ
واليومَ، ظُلْمَةُ فجرها تُشقيها
ولربَّما اسودَّ الضياءُ إذا رأتْ
عينُ ابنِ آدمَ فيه ما يُعْشيها
تبكي الحزينةُ والعواصفُ لم تَزَلْ
برمال بَيْداءِ الأسى تُقْذيها
في وجهها الحُنْطيِّ، ألفُ حكايةٍ
بلسانِ حَسْرةِ قلبها تحكيها
مَنْ أنتِ، والتفتَتْ إليَّ، وصَمْتُها
مني برغم جفافها يُدْنيها
من أنتِ؟، واشتعلتْ على أَهدابها
نظراتُ حُزْنٍ كاللَّظى تُصْليها
من أنت؟، وانطفأت شموعُ حديثها
مثل انطفاء اللَّحن من شاديها
أنا وجهُ أرملةٍ، وعينُ يتيمةٍ
وفؤادُ ثَكْلَى، بُؤسها يطويها
أرأيتَ، كيف تجمَّعتْ في قصتي
صُوَرُ الأسى، حتى بكى راويها؟!
أنا مَنْ أُسَمَّى «القدسَ» كيف نسيتَني
أنسيتَ أرملةً شكى شاكيها؟!
أنسيتَ مَنْ ترنو إليكم، مثلما
ترنوا مشرَّدةٌ إلى واديها؟!
مماراق لي