حَياتي عَذاب .. أحلامي سراب .. أُغلِقَت في وَجهي كُلُّ الأبواب .
لا صَدِيقَ يُؤنِسُني ويَنصَحُني .. ولا قَريبَ يُرشِدُني ويُوَجِّهُني ..
ولا جَارَ يُحسِنُ إليَّ .
هَدَّنِي المَرضُ .. وهَرَبَ مِنِّي الأمَلُ .. وضَاقَت علَيَّ الدُّنيا .
لا أملِكُ سِوَى الدُّمُوعَ رفيقًا .. والآلامَ صَدِيقًا .. والعُزلَةَ مأوَى .
لا أعرِفُ مِنَ السَّعَادةِ إلَّا اسْمَها .. ولا مِنَ البَسْمَةِ إلَّا رَسْمَها .
أعمالِي كُلُّها ذُنُوب .. وشَخصِيَّتِي تَملؤها العُيوبُ ..
وحَياتي كُلُّها كُروبٌ .
الكُلُّ يُبغِضُني .. وعن طَريقِهِ يُبعِدُني .
فإنْ حَدَّثتُ أحدَهم لم يَفهمنِي .. وإنْ سألتُه لم يُجِبني ..
وإنْ طلبتُ عَونَهُ لم يعاوِنّني .
حَياتي مُظلِمَة .. وتَصَرُّفاتُ النَّاسِ حَولِي مُؤلِمَة .
كأنِّي شئٌ لا قِيمةَ له في هذه الحَياة .
سَئِمْتُ النَّاسَ .. وكَرهتُ نَفسِي .. ولم أَعُدْ أُطِيقُ الحَياةَ .
فقط أُرِيدُ أنْ تَنتَهِيَ حَيَاتِي في هذه الدُّنيا .
أُرِيدُ أنْ أُرِيحَ النَّاسَ مِنِّي .
أُرِيدُ أنْ أنتحِـرَ .. أُرِيدُ أنْ أنتحِـرَ .
أخي في اللهِ ، لِمَ كُلُّ هذا اليأس ؟! لِمَ كُلُّ هذا الحُزن ؟!
لِمَ كُلُّ هذا الألَم ؟!
كأنَّ الحياةَ عِندكَ قد انتهت ، فلَم تَعُد تَراها سِوَى سَوداءَ مُظلِمَة .
كأنَّكَ أغلقتَ على نَفْسِكَ بابًا ، فلم تَعُد تسمَعُ لأحدٍ ، ولم تَعُد تُكَلِّمُ أحدًا .
أخي في اللهِ ، كُلُّ شئٍ في هذا الكَونِ يَجري بقضاءِ اللهِ وقَدَرِهِ .
فما أصابَكَ مِن خيرٍ فمِنه سُبحانه ، وما أصابَكَ مِن بلاءٍ ، فلَعلَّه تمحيصٌ لَكَ ، وتَطهيرٌ لَكَ مِنَ الذّنوبِ .
فاصبِر أخي ، واحتَسِب الأجرَ .
إنْ كانت الأبوابُ قد أُغلِقَت في وَجهِكَ ، فلا زالَ أمامَكَ بابٌ واحِدٌ لم يُغلَق ، ولا يُغلَقُ أبدًا حتَّى انتهاءِ أجَلِكَ ، بل حتَّى قِيَامِ السَّاعةِ .
بابٌ لا يَقِفُ عليه بَوَّابٌ ، ولا يَمنعُكَ مِن دخُولِهِ أحد .
إنَّه التَّوَجُّهُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ ، والُّلجوءُ إليهِ ، والاستعانةُ بهِ .
لَعَلَّ اللهَ – عزَّ وجلَّ – أرادَكَ أن تلجأَ إليهِ ، وأن تتقرَّبَ مِنه ،
وألَّا تُعلِّق قلبَكَ بالنَّاسِ ، بل تُعلِّقه بهِ وَحدَه سُبحانه وتعالى .
هو اللهُ وَحدَه القادِرُ على إزالةِ هُمُومِكَ وغُمُومِكَ .
هو وَحدَه القادِرُ على إسعادِكَ في الدُّنيا والآخِرة .
أخي في اللهِ ، أسمِعتَ عن رُجُلٍ يَمشِي كُلَّ يَومٍ مَسافةً
طويلةً مِن بيتِهِ لِمَكانِ عملِهِ ؛ لأنَّه لا يَجِدُ ما يَدفَعُهُ في وسيلةِ مُواصلاتٍ ..؟!
أتدري كم مِقدارُ المالِ الذي لا يَجِدُهُ كَيْ يَدفَعَهُ في ذلك ..؟!
إنَّه ( خَمْسُونَ قِرْشًا ) .
الخَمْسُونَ قِرْشًا هذه لا تُساوي شيئًا ، فمَصروفُ الطِّفلِ اليوميِّ
لا يَقِلُّ عن خَمْسَةِ جُنَيْهَاتٍ .
وهو صابِرٌ راضٍ .
لم يَشُكُ هَمَّهُ لأحدٍ ، رغم أنَّ امرأتَه مريضَةٌ ، ولا يَجِدُ لها ثَمَنَ العِلاج . ورغمَ أنَّ عِندَهُ أولادٌ بحَاجةٍ لِمَصاريف ومُتطلَّباتٍ مدرسيَّةٍ ، وغيرِها .
فاحمَد رَبَّكَ على ما أنتَ فيه .
وهذا رجلٌ قد أُصيبَ بالسَّرَطَانِ ، وصَبَرَ وتَحَمَّلَ ، ومع ذلك كان مُتفائِلاً ، عِنده أملٌ في الشِّفاءِ ، ويدعوا مَن حولَهُ للتفاؤلِ ، ويُهَوِّنُ عليهِم .
إنْ وَجَدَ أحَدَ أبنائِهِ أو أحفادِهِ يائِسًا أو حَزِينًا ، بَشَّرَهُ بالخَيْرِ ،
وحاوَلَ التَّخْفِيفَ عنه ، ودعاه لأن يكونَ مُتفائِلاً ، وعِندَهُ
أملٌ في غَدٍ مُشرِقٍ ، حتَّى تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى ، فلَم
يَذكُرُهُ النَّاسُ إلَّا بِخَيْرٍ .
أخي في اللهِ ، لا تَظُنّ نَفْسَكَ المُبتلَى الوحِيدَ في هذه الدُّنيا ،
فغَيْرُكَ كثيرٌ مُبتلَىً بأعظمَ مِن بلاءِكَ ، وهُم صابِرُونَ مُحتَسِبُونَ ، وكُلُّ ما يَجري على ألسنَتِهِم هو حَمْدُ اللهِ ، وذِكرُهُ ، وشُكرُهُ .
انظُر أخي في اللهِ ، كم مِن إنسانٍ فَقَدَ عَيْنَيْهِ أو أحدَهُما ،
أو يَدَيْهِ أو أحدَهُما ، أو رِجلَيْهِ أو أحدَهُما !
كم مِن إنسانٍ فَقَدَ سَمْعَهُ ، فيتكلَّمُ النَّاسُ مِن حولَهِ ، ولا
يَدري عَمَّ يتكلَّمُونَ ، ولا في أىِّ شئٍ يتناقَشُون !
وكم مِن إنسانٍ لا يَستطيعُ أن يُعَبِّرَ عن حاجَتِهِ ، فهو أبْكَم !
وكم ..... ! وكم ..... !
ومع ذلك لا يَشكُونَ هُمُومَهُم لأحَدٍ ، بل يقولون بلِسانِ حالِهم أو مقالِهم : ( الحَمْدُ للهِ ) .
فكُن مِثْلَهُم .
تذكَّر – أخي في اللهِ – نِعَمَ اللهِ عليكَ .
فكم مِن نِعمةٍ تتقلَّبُ فيها لَيْلَ نَهارٍ وأنتَ لا تَشعُر .
ألَا تكفيكَ نِعمةُ الإسلامِ ..؟!
فأنتَ مُسلِمٌ وحولَكَ أٌناسٌ كثيرٌ لا يَعرِفُونَ عن الإسلامِ إلَّا اسمَه .
ومِنَ النَّاسِ مَن يَحتكِمُ لِكُتُبٍ مِن صُنعِ البَشَرِ ، ويَنسبُونها لِشَرائِعهم . وقد حَسَدتنا اليَهُودُ على شَيْئَيْنِ . أتدري ما هما ؟
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( مَا حَسَدَتكُم اليَهُودُ على شئٍ مَا حَسَدَتكُم على السَّلامِ والتَّأمِينِ )) صحيح الجامع .
- انظُر للحياةِ بنظرةٍ مُتفائِلَةٍ مُشرِقةٍ ، ولا تلبَس نظَّارةً سَوداءَ ، فتسوَدّ حياتُكَ ، ويملؤها اليأسُ ، وقد كان نبِيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( يُعجِبُه الفألُ الحَسَنُ )) صحيح الجامع .
- اعلم أنَّ الحياةَ الدُّنيا مَتاعٌ زائِلٌ ، فلا تَحزَن له ،
﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ آل عِمران/185 .
- واعلم أنَّها لا تَخلو مِن المُنَغِّصاتِ والمُكَدِّراتِ ، وأنَّ
الإنسانَ دائمًا فيها في تَعَبٍ ، ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي
كَبَدٍ ﴾ البلد/4 . فلا راحةَ إلَّا في الجَنَّةِ ، ﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ
لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾ الضحى/4 ، ﴿ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾
الأعلى/17 .
- اعلم أنَّ أمرَ المُؤمِنِ كُلَّه خَيْرٌ ، كما أخبرَ بذلك نبيُّنا
صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( إنْ أصابته سَرَّاءُ شَكَرَ ، فكان
خيرًا له . وإنْ أصابته ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فكان خيرًا له ))
رواه مُسلِم . فاشكُر رَبَّكَ على ما أنتَ فيه مِن نِعَمٍ ،
واصبِر على ما أصابَكَ مِن بلاءٍ .