إخواني وأخواتي رواد المنتدى
السلام عليكم
تم نشر هذه السلسلة من المقالات على موقع رابطة أدباء الشام و أحببت أن أنقلها هنا للإستفادة والإطلاع..
جزاكم الله خيرا..
وسأنزلها على هيئة مقالات ونبداء بأول مقال
المقال الأول: حسن البنا وتجربة الفن (1)
ربما يستغرب القارئ للوهلة الأولى من عنوان الفصل ، فما شأن حسن البنا والفن ؟ وهل فعلاً كان للبنا تجربة في الفن ؟ وهل هذه التجربة ثرية لدرجة أن تتناول ، ويوجد فيها مادة تجعلها جديرة بالبحث ؟ هذه الأسئلة التي ربما يثيرها عقل القارئ ، أثارها عقلي عند دراسة للموضوع عند الإمام البنا رحمه الله ، ولكني بعد أن انقدحت محاور الموضوع في رأسي رأيت أنه بالفعل موضوع حري بأن يبحث ، وأن يناقش ويثار ، وهو من الموضوعات القلائل التي نأى الباحثون بأنفسهم وأقلامهم عن البحث فيها ، إما لوضع نتائج مسبقة قبل البحث بأن علاقة البنا بالفن لن تتجاوز حدود إصدار فتوى ، أو العروج من قريب أو بعيد بالفن من حيث الحل والحرمة لا أكثر .
وقد كنت نويت أن أجعل الحديث عن البنا وتجربة الفن بما للفن من مجالات رحبة ، ومن حيث تقسـيم الفن إلــى فنون صوتية ، وحركية ، ويدوية ( 1 ) ، وتناولت من الفنون الصوتية : فن الغناء والإنشـاد ، وفن النكتة . ومن الفنون الحركية : فن التمثيل . ومن الفنون اليدوية : فن التصوير والرسم الكاريكاتوري . ولكني وجدت أن صفحات البحث ستطول كثيراً ، إذا أفردت لكل ألوان الفن عند البنا وجماعة الإخوان المسلمين حديثاً مفصلاً ، فاكتفيت بالحديث عن الفن التمثيل ومسرح الإخوان .
مكانة الفن في دعوة الإخوان :
لم يقف البنا من الفن مجرد المنظر أو مبدي الرأي الفقهي ، أو الداعي نظرياً إلى تبني الفن ، دون الولوج إلى ذلك عملياً ، بل ربما سبق عند البنا جانب التطبيق الجانب التنظيري ، وليس معنى ذلك أن البنا لم يكن معنياً بذلك ، بل لم يكن معنياً بالوقوف كثيراً عند الإسهاب في التنظير ، ما دام قد اقتنع بشرعية فعل الشيء ، وهذا ما حدث مع الأستاذ البنا رحمه الله ، فقد جعل للفن مساحة ليست بالصغيرة في جماعة الإخوان المسلمين ، فأنشأ فرقة مسرحية ـ بل فرقاً مسرحية ـ لعل أبرزها وأشهرها فرقة القاهرة ، فقد أنشأ الأستاذ البنا في معظم شعب الإخوان المسلمين فرقاص مسرحية ، كشعبة السيدة عائشة ، والتي قدمت عدداً من المسرحيات للناس ، منها ما هو تاريخي ، ومنها ما هو خلقي ، ومعظمها كان من اللون الفكاهي النظيف الراقي ( 2 ) .
بل إن أول رسالة صدرت تهاجم الفن والتمثيل عند جماعة الإخوان المسلمين ، كانت بسبب مسرحية قامت بها شعبة طنطا ، وقد نما إلى علم المؤلف أن هذه الفرقة المسرحية في شعبة طنطا ، قد قامت بتمثيل قصة ( الذبيح إسماعيل عليه السلام ) وأنهم جاؤوا إلى المسرح بكبش ، ومثلوا شخصية إسماعيل عليه السلام ( 3 ) ، مما حدا بالمؤلف أن يهاجم هذا الموقف ، ويهاجم أن يكون في دعوة إسلامية فرقة مسرحية من الأساس ، اعتماداً على أن التمثيل يرتكز بالأساس على الكذب ، والكذب كبيرة من الكبائر ، لا يجوز للمسلم أن يتخذها سلوكاً ولا مهنة ، حتى وإن كانت من باب الترفيه !
كما كان للأستاذ البنا نهج في جريدة ( الإخوان المسلمون ) اليومية ، لم أره في أي صحيفة إسلامية أخرى في مثل هذا الوقت ، ولا فيما بعد ، فقد كان يكتب في إحدى صفحات الجريدة اليومية برامج الإذاعة المصريـة ، بداية بالقرآن الكريم ، ومروراً بأغاني عبد الوهاب وأم كلثوم ، وغيرهما ، وكان يضع تحت عنوان الباب قوله تعالى ( إن السـمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) الإسراء ، آية 36 .
مسرح الإخوان المسلمين :
يعتبر مسـرح الإخوان المسلمين أول مسرح تنشئه جماعة إسلامية في مصر ، فقد نشأ في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي ، وقد تولى هذا الأمر الأستاذ عبد الرحمن البنا ـ شقيق الأستاذ البنا ـ المعروف بميوله الأدبية ، والذي صدر له عدة مسرحيات ومؤلفات أدبية ، وكانت أولى مسرحيات مسرح الإخوان المسلمين ، مسرحية ( جميل بثينة ) وقد أنتجت المسرحية ( لجنة تشجيع التمثيل ) التابعة لوزارة المعارف ـ التربية والتعليم ـ وقررت إخراجها على نفقتها عام 1934 م ، وقد نجحت المسرحية الأولى للإخوان المسلمين نجاحاً مبهراً ، مما حدا بأحد الباحثين وهو الدكتور شرقي قاسم في رسالته للدكتوراه ( الإسلام والمسرح المصري ) يقرر : أن مسرحية جميل بثينة قد صارت موضع المقارنة مع درة أمير الشعراء ( مجنون ليلى ) ( 4 ) .
هذا عن دلالة نجاح المسرحية من حيث التأليف ، أما من حيث الحرفية المسرحية فيكفي أن نقف على أسماء النجوم المشاركين في المسرحية ، فمنهم : جورج أبيض ، وأحمد علام ، وعباس فارس ، وحسـن البارودي ، وفتوح نشاطي ، ومحمود المليجي . ومن العناصر النســائية : فاطمة رشـدي ، وعزيزة أمير ( 5 ) .
تبع هذا العمل عدة أعمال أخرى ، وبدأ الأستاذ البنا في تعميم تجربة إنشاء الفرقة المسرحية ، من المحترفين أو الهواة على حد سواء ، كانت الفرقة الأم الكبرى فـي القاهرة ، وكانت هناك فرق أخرى عن طريق قسم الطلبة في الإخوان ، وذلك بتمرين طلبة القسم الثانوي على الأداء المسرحي ( 6 ) ، وتمّ تعميم الفكرة على معظم شُعب الإخوان في بقية المحافظات ، لتكون بديلاً للريف المصري والمناطق النائية عن المسارح والسينمات ، ولغرس أهداف وقيم تصل سريعاً عن طريق الفن ، أكثر من أي وسيلة أخرى ، وقد ذكر الأستاذ محمود عبد الحليم تجربته الشخصية في هذا المجال المسرحي ، يقول رحمه الله : ( لم يكن بقوة ـ في تلك الأيام ـ أية مؤسسة من مؤسسات الترفيه ، منافسة السينما والمسرح ، وقد رأيتها فرصة سانحة لنقل الأفكار الإسلامية إلى عقول الفلاحين وعقول الناشئة وأهليهم ، فصغت من أحداث نفي مشركي قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولبني هاشم في شعب من شعاب مكة مسرحية . وكنت قبلُ قد وضعت أحداث معركة القادسية في مسرحية طويلة ، وكانت هاتان المسرحيتان باللغة الفصحى ، فرأيت أن أضع بجانب ذلك مسرحية باللغة العامية لتخاطب عامة الناس ، وجعلت هدفها معالجة ما درج عليه الفلاحون ، وفي ذلك الوقت من الاستدانة بالربا من اليهود الذين أنشأوا مكاتب في المدن ويبعثون بمندوبهم إلى القرى والعزب للإيقاع بهؤلاء الفلاحين العوام ، ولما كانت مسرحية القادسية طويلة فقد اجتزأت بفصلها الأخير .
وقد استغرقت وقتاً طويلاً في تدريب مجموعة من شباب الشعبة على التمثيل حتى أتقن كلٌ منهم الدور الذي أسند إليه تمام الإتقان ( 7 ) .
وقد أدت الفرقة التي كونها الأستاذ محمود عبد الحليم في بداية الأربعينيات في ريف البحيرة أكثر من مسرحية ، وكان من ثمرتها: أن عدلت من مسار كثير من الناس ، وكانت سبباً في افتتاح شُعَب كثيرة على حد قوله ( 8 ) .
واستمر مسرح الإخوان المسلمين في تقديم أعماله ، بل رأينا من بين فنانيه عدداً ليس بالقليل من عمالقة الفن المصري فيما بعد ، مثل: عبد المنعم مدبولي ، وإبراهيم الشامي ، وسراج منير ، ومحمود المليجي ، ومحمد السبع ، وعبد البديع العربي ( 9 ) ، وشفيق نور الدين ، وسعد أردش ، والأخوان : حمدي غيث وعبدالله غيث ( 10 ) . وإبراهيم سعفان ( 11 ) وغيرهم .