*وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ:
أي بالثواب على الصبر . والصبر أصله الحبس , وثوابه غير مقدر , . لكن لا يكون ذلك إلا بالصبر عند الصدمة الأولى , كما روى البخاري عن أنس عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) .
أي إنما الصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو عند هجوم المصيبة وحرارتها , فإنه يدل على قوة القلب وتثبته في مقام الصبر , وأما إذا بردت
حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ ذاك.
ولذلك قيل : يجب على كل عاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بد للأحمق منه بعد ثلاث .
لسان العاقل وراء قلبه ، وقلب الاحمق وراء لسانه.
والصبر صبران : صبر عن معصية الله , فهذا مجاهد , وصبر على طاعة الله , فهذا عابد .
فإذا صبر عن معصية الله وصبر على طاعة الله أورثه الله الرضا بقضائه.
وعلامة الرضا سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات .
وقال الخواص : الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنة .
وقال ذو النون المصري : الصبر هو الاستعانة بالله تعالى .
وقال الأستاذ أبو علي : الصبر حده ألا تعترض على التقدير , فأما إظهار البلوى على غير وجه الشكوى فلا ينافي الصبر , قال الله تعالى في قصة أيوب : " إنا وجدناه
صابرا نعم العبد " [ ص : 44 ] مع ما أخبر عنه أنه قال : " مسني الضر"
*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ: المصيبة : كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه , يقال : أصابه إصابة ومصابا.
والمصيبة : النكبة ينكبها الإنسان وإن صغرت , وتستعمل في الشر , روى عكرمة أن مصباح رسول الله صلى الله عليه وسلم انطفأ ذات ليلة فقال : " إنا لله وإنا إليه
راجعون " فقيل : أمصيبة هي يا رسول الله ؟ قال :
( نعم كل ما آذى المؤمن فهو مصيبة ) .
قال القرطبي : هذا ثابت معناه في الصحيح , خرج مسلم عن أبي سعيد وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما
يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته ) .
أسأل الله تعالى ان يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه : وصلى الله وسلم على سيدنا محمد .
اخواني واخواتي لاتنسوني من صالح دعائكم .